شبكة عين الفرات | الآلام الاقتصادية تحول احتياجات الإيرانيين اليومية إلى "أحلام"

عاجل

الآلام الاقتصادية تحول احتياجات الإيرانيين اليومية إلى "أحلام"

يعاني الشعب الإيراني من ضغوطات اقتصادية هائلة بعد تراجع سعر صرف العملة المحلية ونقص المنتجات الأساسية، فيما يتحدث مواطنون لشبكة "NPR" عن سوء الإدارة والفساد والعقوبات كأسباب لتردي الوضع الاقتصادي لإيران.

وتعاني شريحة كبيرة من المواطنين الإيرانيين "ارتفاع الأسعار"، وقالت امرأة في الستينيات من عمرها: "لا أحد سعيد، لكننا مجبرون على التوافق؛ لأنه لا يوجد شيء آخر يمكننا القيام به".

ولخصت المرأة الإيرانية بإيجاز ما يشعر به الناس حيال الحياة اليومية، قائلة: "لدينا مقولة لطيفة في إيران، نقول إن أول 100 عام من الحياة صعبة، والباقي سيكون سهلا".

وفي سبتمبر من العام الماضي، تسببت وفاة الشابة، مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، عقب احتجازها بتهمة انتهاك قواعد ارتداء الحجاب، في شرارة احتجاجات عمت أنحاء إيران، لكن "الشعور باليأس الاقتصادي" كان جزءا من أسباب اندلاع تلك التظاهرات.

وشكلت الاضطرابات أحد أكبر التحديات للحكم الديني في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وردت الحكومة الإيرانية بشدة على الاحتجاجات، فقتلت مئات الأشخاص وسجنت آلافا آخرين، ونجحت الحملة القمعية في تخويف العديد من الإيرانيين من التظاهر في الشوارع.

وتقول وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) إن السلطات اعتقلت نحو 20 ألف شخص في الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي خرجت بعد مقتل أميني، وفقا لوكالة رويترز.

وبينما تراجعت الاضطرابات على مستوى البلاد في الأسابيع الأخيرة بسبب عمليات الإعدام والقمع، تواصلت أفعال العصيان المدني مثل رسم جداريات (غرافيتي) مناهضة للحكومة وظهور نساء غير محجبات في الأماكن العامة، حسب رويترز.

لكن مشاكل إيران الاقتصادية لا تزال "تغذي حالة من السخط" في الشارع، وتحدث عدد من الإيرانيين عن الاقتصاد المحتضر، بينهم عدد من المؤيدين للنظام الثيوقراطي في البلاد، وفقا لتقرير موقع "NPR".

 

انخفاض الريال وارتفاع الأسعار

ارتفع معدل التضخم السنوي في إيران إلى أكثر من 50 بالمئة، وفقد الريال ما يقرب من 45 بالمئة من قيمته منذ اندلاع الاحتجاجات في أعقاب وفاة أميني، بحسب رويترز.

ويعد التضخم مصدرا رئيسيا للمعاناة الاقتصادية في إيران، وهو شيء يمكن رؤيته في انتشار أسواق الصرف غير القانونية (السوق السوداء) في البلاد.

وتشهد إيران زيادة في الطلب على الدولار الأميركي، بينما تفرض الحكومة قيودا صارمة على كمية العملات الأجنبية التي يمكن للإيرانيين شراؤها بشكل قانوني، لذلك يتجه كثيرون إلى السوق السوداء، بحسب "NPR".

والأحد، هبطت العملة الإيرانية إلى أدنى مستوى أمام الدولار في السوق غير الرسمية، وفقا لرويترز.

وأفاد موقع أسعار الصرف الأجنبية "بونباست دوت كوم" بأن الدولار سجل 601500 ريال في السوق الإيرانية غير الرسمية، الأحد، بالمقارنة مع 575 ألف ريال، السبت، و540 ألف ريال، الجمعة.

وقال عامل بمتجر يبلغ من العمر 27 عاما، "لقد ارتفعت أسعار كل شيء تقريبا في إيران"، مضيفا: "لدي نقود فقط لأشتري فنجان قهوة، وليس لدي المال مقابل الأشياء التي أحتاجها".

واعتبر أن شراء سيارة أو منزل أو تكوين أسرة قد أصبح "بعيد المنال"، قائلا "إنه مجرد حلم بالنسبة لنا لن يحدث، لا يمكنني إلا أن أحلم به، لكن لا يمكنني تحمله".

وتعليقا على ذلك، أكد سعيد ليلاز، وهو خبير اقتصادي قدم الاستشارات لعدد من الرؤساء الإيرانيين، بمن فيهم حسن روحاني، المعتدل نسبيا الذي ترك المنصب عام 2021، أن إيران لم تشهد تضخما كما تشهده الآن. 

وقال ليلاز إن "الفقراء يتعرضون لضغوط هائلة". 

وقدر أن 20 إلى 25 بالمئة من الإيرانيين يعيشون عند خط الفقر أو تحته، وفقا لحديثه لموقع "NPR".

وفي إيران، لا يزال معدل البطالة بين الشباب مرتفعا مع تدني أوضاع أكثر من 50 بالمئة من الإيرانيين إلى ما دون خط الفقر، وفقا لرويترز.

وأكد تاجر سجاد في أصفهان لـ"NPR"، أن سعر الصرف السيء يضر بالصناعات التي تعتمد على الواردات. 

 

العقوبات أم سوء الإدارة؟

عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، أعادت فرض عقوبات صارمة، بما في ذلك حظر استيراد السجاد من إيران. 

وأدت إعادة فرض الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، العقوبات الأميركية في 2018 إلى إلحاق الضرر باقتصاد إيران من خلال الحد من صادراتها من النفط والوصول إلى العملات الأجنبية، بحسب رويترز.

وقال تاجر في طهران إن 70 بالمئة من سجاده كان يُباع لزبائن خارج إيران. واختلف الإيرانيون حول أسباب محنتهم الاقتصادية، فمنهم من يشير إلى العقوبات الأميركية ويتحدث آخرون عن "سوء الإدارة".

وأشار أحد التجار إلى أن سوء الإدارة هو السبب الرئيسي للتراجع الاقتصادي، وقال إن "النظام الإيراني" هو السبب في معاناة الشعب الاقتصادية.

 

وحمل آخرون العقوبات الأميركية المسؤولية، وقال رجل يبلغ من العمر 75 عاما، إن "العقوبات الفظيعة" تجعل الحياة صعبة على الجميع، وفق تعبيره.

وأكد الخبير الاقتصادي ليلاز، أن النظام الإيراني يحب استخدام الولايات المتحدة كـ "كبش فداء"، لكن كل الألم في شوارع إيران يأتي مباشرة من سوء الإدارة".

وقال إن "اللصوص يحكمون هذا الاقتصاد وهذا البلد". وأشار إلى أن "التضخم الجامح في إيران ناتج عن مقدار الأموال التي تطبعها الحكومة لتمويل إنفاقها، والفساد في البنوك المملوكة للدولة".

وأوضح أن المستثمرين يخشون القيام بأعمال تجارية في إيران؛ لأن الحكومة لديها تاريخ في مصادرة الشركات.

وتتخذ العقوبات الأميركية أثرا ملموسا في مجال واحد وهو "صادرات النفط"، حسب "NPR".

ووفقا لبعض التقديرات، فإن شبكة القيود الأميركية الواسعة قد خفضت عائدات إيران النفطية بمقدار النصف.

وقال ليلاز إن الحكومة في الماضي تغلبت على الإسراف في الإنفاق ونقص الإنتاجية الاقتصادية من خلال "ضخ دخل النفط في المجتمع".

وتوقفت المحادثات النووية بين طهران والقوى العالمية لكبح برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات منذ سبتمبر، مما أدى إلى تدهور التوقعات الاقتصادية بشأن مستقبل إيران.

 

العلاقة بين الاقتصاد والاضطرابات

حتى قبل بدء الاحتجاجات في العام الماضي، كان مزيج الاستياء الاقتصادي والسياسي في إيران بمثابة "قنبلة موقوتة"، وفقا لما ذكره، علي فايز، المحلل الإيراني البارز بمجموعة الأزمات الدولية لـ "NPR".

وقال فايز: "لولا وفاة مهسا أميني المأساوية لكان هناك سبب آخر، وهناك الكثير من الإحباط المكبوت داخل المجتمع الإيراني".

وكانت المشاكل الاقتصادية عاملا مشتركا خلال العديد من موجات الاحتجاج في إيران على مدى السنوات العديدة الماضية، وكانت هناك مظاهرات على خلفية انخفاض العملة في عامي 2017 و2018.

في عام 2019، أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى دفع حشود ضخمة إلى الشوارع. وعن سبب التراجع الاقتصادي، ألقى فايز باللوم على "سوء الإدارة والفساد والعقوبات".

ويري أن "الاقتصاد البائس" قد يكون السبب أيضا في تضاؤل الاحتجاجات الأخيرة في أجزاء من البلاد في مواجهة قمع النظام.

وقال إن "الناس لديهم القليل من الحماية الكافية ليتمكنوا من الدخول في مواجهة طويلة الأمد بين الدولة والمجتمع".

ومع ذلك، أعرب بعض الإيرانيين الذين تحدثوا إلى موقع "NPR"، عن اعتقادهم بأن الاحتجاجات قد تحقق التغيير في المستقبل.

وأكد أحد العاملين بمتجر بطهران إنه لم يفقد الأمل، قائلا: "تغيير مثل هذا (النظام) يحتاج إلى وقت".

 

المصدر: موقع "الحرة" 


 

أخبار متعلقة