فاغنر وبوتين في الأدب الشامي
بعيداً عن تحليلات المحللين وتكهنات السياسيين ومعارضة المعارضين ودفاع المؤيدين لما حدث قبل أيام بين رئيس مرتزقة فاغنر وبين بوتين وما تبعه من أحداث أقامت العالم ولم تقعده.
فمن وجهة نظري المتواضعة أرى أن الشيء الوحيد المؤكد والذي لا لبس فيه منذ بداية الحدث إلى نهايته هو أن رئيس فاغنر حصل على كل ما يريد وربما زيادة في الاتفاق الذي أظهر ضعف بوتين وقلة حيلته وهوانه على الناس أصدقاء وأعداء، كما دل على حنكة قائد فاغنر الذي عرف من أين تؤكل الكتف الروسية عندما استخدم اللغة والطريقة التي يفهمها بوتين ومستشاروه العسكريون والسياسيون.
هذا المشهد ككل من بدايته إلى نهايته ذكرني بقصة مشهورة دائماً ما يذكرها أهل الشام في مجالسهم.
مجمل القصة أن شاباً عُين مُدرسًا في إحدى حارات الشام القديمة بعد أن تخرج من إسطنبول، وبعد مدة من الزمن أراد هذا الشاب الزواج، ولأنه كان وحيداً بلا عائلة استعان ببعض أصدقائه لمساعدته في هذا الموضوع لكونه غريبًا عن المنطقة.
وبالفعل بعد البحث والتفتيش وجد هذا الشاب ضالته وتزوج إحدى فتيات الحي على سنة الله ورسوله، كل شيء في العروس كان رائعًا من حيث الجمال والأدب والأخلاق باستثناء شيء واحد وهو أبوها الذي كان " شيخ الزعران " في هذا الحي.
وبمرور الأيام ولأسباب عديدة حصل خلاف بين الزوجين فقامت العروس بجمع (بقجتها) ثم ذهبت إلى بيت أهلها كما تفعل جميع النساء.
وما إن غادرت هذه الزوجة المنزل حتى ندم الشاب وأدرك عظيم فعله، ومرت الأيام سريعة وعصيبة وهو يعيش وحيداً إلى أن قرر أن يصالح زوجته ويعتذر منها ويعيدها إلى بيتها من جديد.
وبالفعل لبس أجمل الثياب وأخذ بعض الهدايا وانطلق إلى أهلها لكن ما إن طرق الباب حتى خرج له والدها ليستقبله استقبال السفهاء ويصفه بكلمات لم يسمعها من قبل ثم يطرده كما تُطرد الكلاب الشاردة.
عاد هذا الشاب حزيناً كئيبًا بلا حول ولا قوة يشتكي لأصحابه وزملائه ما حدث معه علهم يجدون له حلاً مناسباً، وبالفعل أتاه مدير المدرسة يعرض عليه مرافقته ليتوسط له عند والد زوجته مستغلاً سمعته وهيبته في المنطقة كونه مدير المدرسة وهو معروف عند الجميع.
استبشر الشاب واتفق مع المدير على موعد محدد لمقابلة هذا "الأزعر" وإعادة زوجته إلى بيتها، وبالفعل ذهب الاثنان لمقابلة الرجل ليتفاجأ الرجلان بأسلوبه الفظ وطريقة كلامه السوقية التي لا تنم إلا عن قلة أدب واحترام.
حاول هذا المدير إقناع الأب بإعادة ابنته إلى زوجها مستخدماً أساليب الأدباء والمفكرين والمصلحين الاجتماعيين لكنه تفاجأ بعقلية الرجل المتخلفة وطريقة تفكيره البدائية ليضطر لمغادرة المكان بلا أي فائدة.
مرت الأيام ثقيلة على هذا الشاب وبدأ الحزن واليأس يخيمان على قلبه، تغيرت أفعاله وطريقة تعامله مع الناس مثلما تغيرت هيئته ولباسه فغدا شاحب الوجه شارد الذهن كثير التفكير.
انتشرت قصة الشاب في الحي حتى صارت حديث الناس، وما إن سمع بها إمام المسجد حتى قرر أن يرافق هذا الشاب لمقابلة والد زوجته ظناً منه أن الرجل سوف يحترم الإمام ولن يرد له طلباً، لكن وعلى عكس ما توقع الشيخ فشلت المحاولة بسبب تعنت الأب وسفاهته وعدم احترامه للمشايخ والعلماء.
بعد زيارة الشيخ للرجل تعقدت الأمور أكثر وزاد الأمر سوءاً لأنه لم يعد أحد من أهل الحي يجرؤ على مساعدة الشاب خشية الحرج و"البهدلة".
حزن الشاب حزناً شديداً بعد أن عجز عن إعادة زوجته الحبيبة والتي صار يراها في كل زاوية من زوايا بيته المتواضع.
وبينما هو في بيته وحيداً جاءه أحد جيرانه ليخبره أن لوالد زوجته صديق عزيز وهو الوحيد الذي يستطيع أن يرد له زوجته ويخرجه من هذه المعاناة.
وبالفعل ذهب الشاب ليبحث عن الرجل ليجده شبيهاً لعمه في تخلفه وجهله وسوء طباعه، وما إن سمع الرجل بقصة الشاب حتى ضرب على صدره قائلاً: "حلها عندي".
انطلق الاثنان إلى بيت والد العروس وما إن التقيا حتى ذهبا يسلمان على بعضها بحرارة وشوق وهما يتساببان ويتشاتمان بأقذر الكلمات والفرحة تغمرهما غمرًا.
تعجب الشاب من هذا اللقاء الحميمي والذي لم يمض منه إلا دقائق حتى وافق الأب على عودة ابنته إلى زوجها وكأن شيئاً لم يكن.
بالمقارنة بين خلاف بوتين وزعيم فاغنر وبين خلاف هذا الشاب مع والد زوجته هو أن بوتين ويغفيني من نفس الشاكلة ويحملون نفس الأفكار ويتعاملون بنفس الطريقة لذا كان الحل سريعاً ومرناً وبأقل الخسائر بينما استمرت معاناة الشاب لأمد طويل وكانت الخسارة أكبر لأن الشخصين من طبقتين مختلفتين فكريا وثقافيًا.
نعم أنا معجب جداً بالأسلوب الحازم لزعيم فاغنر بغض عن صورته الإجرامية في ذهني" خاصة وقد أثبتت التجارب أن استخدام السلاح المناسب في الوقت المناسب يحقق نتائج أكبر وأسرع بأقل الخسائر وهذا ما ذكره المتنبي حين قال :
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى
كتبه عمر مرمر