مشروع إيران التوسعي والتوظيف المنهجي لأطفال دير الزور
في منتصف شهر أيلول /سبتمبر الفائت، أقامت المليشيات الإيرانية في سوريا فعالية للأطفال في صالة الحريب في مدينة الميادين شرقي دير الزور ووزّعت الهدايا والأطعمة عليهم، في محاولة لاستغلال وضعهم المعيشي بهدف استمالة هؤلاء الأطفال وعائلاتهم لمصالح عقائدية إيرانية بحتة.
وفي الحقيقة فإن ظاهرة استخدام النظام الإيراني للأطفال – مع بنود وإجراءات أخرى- لتحقيق مشروعه الطائفي ليست جديدة؛ إذ بدأت هذه الظاهرة مع بداية الحرب العراقية الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨٨)، عندما دفع نظام طهران آلاف الأطفال للقتال في صفوف "الحرس الثوري"، حيث قتل من هؤلاء الكثير على جبهات القتال.
الإجراءات الإيرانية هذه تأتي بالطبع عن قيادات سياسية، لكن ولجعلها أكثر مشروعية أمام السكان (خاصة المؤيدين منهم للنظام) غالبًا ما تصدر فيها فتاوى من المرجعيات الطائفية، منها فتاوى تبرر تدريب أطفال أفغان وباكستانيين في مدينة مشهد الإيرانية (٢٠١٥) لإرسالهم للقتال في سوريا.
أوسع عمليات التجنيد تركزت في سوريا خاصة في شرق البلاد، ونالت مناطق سيطرة المليشيات الإيرانية في دير الزور وريفها النصيب الأكبر فيها عبر مؤسسات أنشأتها أو دعمتها إيران بإدارة "الحرس الثوري" منها مؤسسة "الشهيد" ومركز "النور الساطع" ومركز "كشافة المهدي".
لذلك تكاد تكون مناطق شرق سوريا هي الأكثر تنظيمًا في عملية تجنيد الأطفال، هدفها الأساسي خلق بيئة حاضنة لوجود المليشيات الإيرانية كخطوة أولى عن طريق استغلال عوامل الفقر، وتقديم أنشطة للأطفال بطرق ناعمة ومبنية على خبرات سابقة استمدها النظام الإيراني من تجربته في إيران نفسها، ولبنان والعراق واليمن.
هذه العملية اعتمدت برامج للأطفال بين سن ٨ و١٢ سنة، عن طريق "المركز الثقافي الإيراني" الذي افتتح دورات لتقوية طلاب المدارس الابتدائية في مدن دير الزور والميادين والبوكمال، كما قام مسؤولون من منظمات إيرانية مثل "جهاد البناء" بزيارة المدارس خلال ساعات العمل الرسمية ودخلوا الفصول الدراسية لإلقاء خطب على الطلاب تمجد إيران ودورها المزعوم تجاه الأمة.
وكذلك تنظم مؤسسات مثل "كشافة المهدي" عمليات تجنيد منتظمة لهؤلاء الطلبة وتوفر لهم تدريبًا عسكريًّا على الأسلحة، وتغسل أدمغتهم قبل ذلك كله عبر تغذيتها بأفكار عقائدية شيعية، وزيارات ورحلات ودروس في العقيدة تحث على دعم المليشيات الإيرانية، تمكنها فيما بعد من تجنيد هؤلاء في صفوفها، لقتال أبناء جلدتهم.
هذا التوجه الإيراني نحو الأطفال يعود بشكل أساسي إلى فشلها في تجنيد عقائدي لأبناء محافظة دير الزور المتمسكين بتراثهم وحضارتهم، ثم عدم ثقتها بالمنتسبين المحليين الشباب لعملها بانتسابهم بناءً على مصالح منها الحصول على امتيازات مالية وسلطوية، وأن هؤلاء يمكن أن ينقلبوا على سياسات إيران بأي لحظة.
إلا أن إيران ورغم حصولها على بعض النجاحات في سعيها للسيطرة على اللبنة الأولى من المجتمع السوري، لا يمكن حسب تجارب التاريخ أن تصل إلى مرادها، وستبقى هذه النجاحات مؤقتة وقليلة التأثير ضمن البيئة العشائرية لمحافظة دير الزور، التي تنبذ الفوضى وتعتز بجذورها، هذه البيئة التي ستنسف مشروع إيران التوسعي الذي يرى في الأطفال بداية منهجية له.