نادي النفاق في أستانة
انتهت لقاءات الجولة السادسة عشر من اجتماعات ما يُسمّى "صيغة أستانة"، إلى مثل ما انتهت إليه سابقاتها: اللا شيء.لم يتحقّق أيّ تقدّم قد يخدم السوريين، لا على الصعيد السياسي، ولا في الجانب الإنساني أو ما يتعلّق بالتخفيف من معاناة المدنيين. وعلى العكس من ذلك، بدا واضحاً أنّ "الضامن الروسيّ" يسعى بشكل حثيث إلى زيادة معاناة مدنيي المناطق الخارجة عن سيطرته وسيطرة نظام الأسد وميليشيات إيران، من خلال الضّغط باتجاه حصر دخول المساعدات الإنسانية الدولية عبر الحكومة الأسدية.
كما لم تُتّخذ إجراءات جدّية في ملفّ المعتقلين والمفقودين، وهي كذلك من المسائل التي يتردّد قبل كلّ اجتماع، الحديث عن أولويتها وأنّها ستكون على جدول الأعمال. على أنّه وإن جرى التطرّق إليها خلال الاجتماعات فعلاً، يبقى الأمر منحصراً في إطار من العموميات الفارغة، وعبارات الاهتمام والتفاؤل الكاذب في شأنها. فالحفاظ على بنود كهذه على جداول أعمال لقاءات "الدول الضامنة"، بات جزءاً رئيسياً من اكسسوارات النادي الأستاني، لأنّ تلك العناوين، وفق زعم عرّابي أستانة (روسيا وتركيا وإيران) منذ بداية اختراع مسارهم هذا، كانت من بين الأسباب التي دفعتهم إلى إطلاق هذا المسار.
من الطرائف الأستانية التي باتت لازمةً تُدرَج في بيانات النفاق الختامية الصّادرة عن الضّامنين الثلاثة بعد اجتماعاتهم، وتضمّنها البيان الختامي لجولتهم الأخيرة هذه، أنّهم يجدّدون "الالتزام القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها"، ويرفضون "جميع المحاولات الرامية إلى إيجاد وقائع جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب"، فيما يواصلون هم في الوقت عينه انتهاكهم بكلّ ما أوتوا من قوّة لـ"سيادة سوريا واستقلالها"، ويمعنون في تمزيق "وحدتها وسلامة أراضيها"، ودوماً "بذريعة مكافحة الإرهاب"!
وكما في ختام الجولة الماضية (الخامسة عشر)، كذلك فعل منافقو أستانة في بيانهم الأخير اليوم، إذ كرّروا الكلام المتناقض نفسه بشأن "دفع العملية السياسية التي يقودها ويملكها السوريون وتيسّرها الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254"، رافضين "أي تدخل خارجي وأي جداول زمنية مصطنعة على لجنة مناقشة الدستور في جنيف". يجدر التذكير هنا من جديد، أنّ "اللجنة الدستورية" نفسها، والتي كانت من أبرز منتجات مسار أستانة المُضلّل، تُشكّل بالأصل تجاوزاً صريحاً على القرار 2254 المذكور، وتلاعباً بكلّ ما نصّ عليه من اجراءت ذات تسلسل واضح، والتي يُفترض أن تكون مقترنةً بمُهلٍ زمنية محدّدة، وهو ما لا يقيم له الأستانيون ولجنتهم الدستورية أيّ وزن.
إنّ استمرار تنسيق مصالح الدول المجتمعة في "صيغة أستانة"، وإشراك وفود تُمثّل النظام السوري وأخرى محسوبة على المعارضة في هذا المسار، إنما يهدف إلى تكريس المكتسبات التي تحقّقت لكلّ من "الدول الضامنة"، وتغطيتها سياسياً بمباركةٍ من دول جوار سوريا، التي تحلّ ضيوفاً على الاجتماعات بصفة مراقبين، ويمكن وصفُ ما يجري بأنّه استثمارٌ فعّال للانكفاء الغربي، الأميركي والأوروبي، عن الاهتمام الجدّي بالشأن السوري.
يبقى أنّ المجتمعين في أستانة، لم يكترثوا للحصار المفروض من قوات النظام وميليشيات إيران على درعا، ولا لمقتل وإصابة ما لا يقل عن خمسة عشر مدنياً سورياً، نتيجة الهجمات التي نفذها النظام في ريف إدلب قبل يومين من الاجتماع، حيث يبدو أنّ هذا التصعيد في مناطق "خفض التصعيد"، أصبح تقليداً يمهّد لكل لقاء يجمع أعضاء نادي النفاق في أستانة.
إقرأ أيضاً: هزلية الانتخابات الرئاسية في إيران الخُمينية