إيران والصراع على سورية "سم الزعاف القاتل"
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى هذا اليوم، كانت القوى المنتصرة في هذه الحرب هي صاحبة القرار في أي تغيير سياسي في الدول العربية، لكن اليوم هذه المعادلة ربما تغيرت بدخول قوى إقليمية على ساحة الصراع على النفوذ الإقليمي، وهي إسرائيل وإيران وتركيا.
اليوم بعد عشر سنوات من الحرب والصراع في وعلى سورية، وبعد كل التضحيات الهائلة التي دفع ثمنها السوريون، لم يعد ممكنا بالمطلق تجاهل مشاركة السوريين في صناعة قرار التغيير، فالسوريون سيفرضون أنفسهم شركاء في صناعة القرار، رغم كل المحاولات العربية والإقليمية والدولية لتحطيم إرادتهم، ودفعهم نحو اليأس باستخدام ملفات وأدوات إعاقة الحل.
اليوم لدينا خمس مشاريع تتصارع على النفوذ الإقليمي، وهي المشروع الأمريكي والمشروع الإسرائيلي والمشروع الإيراني والمشروع التركي، وأخيرا المشروع الروسي الذي دخل حلبة المنافسة عسكرياً في سورية بشكل مباشر منذ أيلول/ سبتمبر 2015.
حاليا التوجهات الدولية والإقليمية والعربية تتجه لإنهاء مشروع النفوذ الإيراني في المنطقة، لأن باقي المشاريع لم تقبل بإيران كشريك على النفوذ في المنطقة، وهذا ما تترجمه سلوكيات إيران التي ترفض أن تكون قد استخدمت فقط كأداة لتحقيق نفوذ ومصالح مشاريع أخرى.
إيران سعت ومن خلال استراتيجية محكمة استمرت لسنوات طويلة، النفوذ في لبنان والعراق بعد الغزو الأمريكي واليمن وسورية، وعملت على وراثة الملفات الإقليمية التي كان مكلفا بها النظام السوري، مثل ملف بعض الفصائل الفلسطينية، والملف اللبناني وملف بعض العشائر في العراق، وملف جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والإرهابية الأخرى.
نجحت إيران في سحب أغلب الملفات الاقليمية من يد الأسد، وتمكنت من طرده من لبنان بعد أن دفعته للتخلص من رفيق الحريري، الذي كانت تعتبره أيضا عقبة أمام نفوذها في لبنان، وهي تسعى لتثبيت نفوذها على الأراضي السورية، بغية إجبار إسرائيل والولايات المتحدة للقبول بالشراكة الاقليمية معها.
إيران تعتبر سورية جبهة متقدمة للدفاع عن طهران، وخط دفاع متقدم للدفاع عن مصالحها ونفوذها الإقليمي، وتعتبر سورية نافذتها على المتوسط قبالة أوروبا، ومن خلال وجودها في سورية فهي تحاصر النفوذ التركي شمالاً، وأصبحت تشكل كماشة تحاصر إسرائيل من جنوب لبنان وسورية ومن قطاع غزة.
كل الضربات والعمليات العسكرية التي تقوم بها اسرائيل والولايات المتحدة مؤخرا ضد الوجود الإيراني وأدواته في سورية، لن تتمكن من طرد إيران وأدواتها من سورية.
الأسد قطعاً وبالمطلق لا يستطيع فك ارتباطه العضوي مع إيران، وهو أجبن من أن يتجرأ على القيام بذلك، وهو يعلم أن مصيره سيكون مثل مصير الرئيس اليمني عبد الله صالح لو حاول أن يسير بذلك الاتجاه، وبكل الأحوال الأسد انتهى وأصبح من الماضي، وتبقى دفنه فهو صندوق أسود، والصناديق السوداء ليس مسموحاً أن تفتح أبداً.
إن كان هناك إرادة حقيقية لإنهاء النفوذ والوجود الإيراني في سورية، يجب الإسراع بدفن الأسد واسقاط حكمه، لأنها ستسقط ادعاءات إيران ان وجودها في سورية، بناء على ما تعتبره الحكومة الشرعية.
وحدهم السوريون من سيفكك النفوذ الايراني وأدواته ويطردها من سورية، لكن ذلك يحتاج للدعم والتعاون مع المتضررين من إيران وأدواتها في سورية والمنطقة.
العلاقة بين نظام الأسد ونظام ولاية الفقيه علاقة عضوية، وكلاهما أداتين في مشروع واحد انتهى دوره، وسقوط أحدهما يعني سقوط الآخر.
سقوط الأسد وحكمه، يعني نهاية النفوذ والوجود الإيراني في سورية، ويعني انتهاء وجودها تدريجياً في لبنان، ويعني أيضاً انحسار نفوذها في العراق، وعودة نفوذ إيران إلى داخل حدودها الحالية، التي لا شك ستشهد تحولات وتغيرات داخلية عميقة ومهمة.
حافظ الأسد لم يكن سوبرمان، ولكن بعد نجاحه بقمع السوريين وتمكنه من السيطرة المطلقة ومنحه الغطاء من القوى المؤثرة التي اطمأنت أن لا يوجد داع للقلق من الوضع الداخلي السوري، تم تكليف الاسد بإدارة ملفات إقليمية، وهذا نابع ليس من قوة الأسد نفسه، بل من قوة الموقع الجغرافي لسورية والمحددات الاستراتيجية التي تمتلكها، إلى جانب منحه القوة من اللاعبين الكبار، حيث كان يدير هذه الملفات بالنيابة عنهم، وتحت إشرافهم والأسد الابن، ورث هذا التكليف والأسرار من والده وهو استمرار لعهد والده، وفشل فشلا ذريعاً في إدارة الملفات والتوازنات فهو معتوه لا يستطيع فهم قواعد اللعبة.
كانت سورية ممراً تعبر من خلاله المصالح الاقليمية والدولية بسلاسة، وكان حافظ الأسد بوظيفة شرطي سير، لكن هذه المصالح العابرة لسورية اصطدمت ببعضها مع أول اختلال بالتوازنات، عندما بدأت المصالح الإيرانية بالاستقرار والتغلغل على الأرض السورية، بعد الغزو الأمريكي للعراق، مستغلة مخاوف الأسد وضعف شخصيته المترددة.
إيران كما دفعت الأسد لقتل الحريري، دفعته ايضا لاستخدام الخيار العسكري بأقصى درجاته مع قيام ثورة السوريين، بعد أن تمكنت من زرع وتشييد البنى التحتية الأساسية لنفوذها في سورية( بعد مرض حافظ الأسد) بين 1996 أعوام و2011 وتمكنت من الانطلاق بمشروعها عملياً وبشكل واضح بعد استلام بشار الأسد عام 2000 وبشكل ملفت اكثر بعد 2003.
ثورة السوريين واستمرارها حتى اليوم أفشلت التدخل الإيراني وأدواته، وهذا الفشل دفع للتدخل الروسي العسكري المباشر عام 2015 ورغم أن ثورة السوريين أربكت ثم أفشلت إيران في مخططها، الذي كان يسير بهدوء باستراتيجية بعيدة الأمد، إلا ان إيران تعلم انه لم يكن بإمكانها بسط تغلغلها ونفوذها لولا الفوضى العسكرية وحالة الحرب، وهي تدرك أن وجودها في سورية لن يستمرإلا باستمرار الحرب والإرهاب والتطرف وعدم الاستقرار، وهي البيئة التي تتقن تماماً فنون العمل فيها.
إيران سعت ومازالت للانتشار والنفوذ في سورية عبر العراق عبر ثلاث محاور، وتسعى لتثبيتها بالبنى التحتية اللازمة، إلا أن أحلامها ستتلاشى سريعاً وستطرد من سورية دون شك، ومن سيفكك تغلغلها هم السوريون وحدهم.
لا شك أن السوريون بتضحياتهم دفعوا ثمن حرية وخلاص كل دول المنطقة من إيران وأدواتها، ولا شك أن أول المستفيدين هو لبنان، فحزب الله الأداة الإيرانية الضاربة إنتهى دوره، و سنشهد ولادة حزب الله جديد لقسم من شيعة لبنان وبدور جديد وشكل جديد وقيادة جديدة ودون أذرع عسكرية وأمنية.
من المؤلم جداً أن جامعة الدول العربية، لم تتجرأ على إصدار قرار يقضي بقطع علاقات الدول الأعضاء فيها مع إيران، رغم ان إيران احتلت وبشكل عملي أربع دول عربية، وهي تتغلغل في دول عربية أخرى، وعلى رأسها في دول الخليج و الجزائر، ولا شك ان الجزائر مقبلة على سيناريو مخيف في قادم الأيام، فما دخلت إيران بلداً إلا وكان مصيره الخراب، وأمام هذا الهرج والضعف العربي لابد أن نسجل الموقف الشجاع للمغرب، الذي أعلن رسميا قطع العلاقات مع إيران.
إيران سم زعاف قاتل في كأس من الحليب، والويل كل الويل، لمن يشرب من ذلك الكأس.