هزلية الانتخابات الرئاسية في إيران الخُمينية
تُعدّ الانتخابات أحد العناصر الأساسية في دورة الحياة السياسية للدول والمجتمعات، بوصفها من أبرز وسائل التعبير عن الإرادة الشعبية، ودليلاً على حيويّة النظام السياسي وجدّية المشاركة السياسية للمواطنات والمواطنين، بما لها من أثر حاسم في تجديد أو تغيير السياسات وصانعيها من أصحاب القرار، وهذا من الناحية النظرية.
لكن واقع الحال يفيد بأنّ ذلك الكلام لا ينطبق سوى على الديمقراطيات التي تستحقّ اسمها (إلى هذه الدرجة أو تلك)، وليس على "الانتخابات" الهزلية التي تجريها بعض نُظم الاستبداد، ومن بينها النظام الخمينيّ الحاكم في إيران، حيث انتهت هناك "الانتخابات الرئاسية" قبل أيام بفوز إبراهيم رئيسي، المرشح الذي يحظى بدعم رأس النظام الإيراني، "مرشد الثورة" علي خامنئي.
إنّ وصف انتخابات إيران الرئاسية بالهزلية، ليس للسخرية ولا هو ناتج عن موقف سلبي من نظامها الاستبدادي، وإنما توصيف لحقيقة واقعية، صنعتها تركيبة نظام "الجمهورية الإسلامية" نفسه، الذي أسّسه الخميني قبل نحو أربعين عاماً، وفيه مُنح "الولي الفقيه" سلطةً وصلاحيات تفوق كل سلطة، وتلغي إرادة الشعب.
فالدستور الإيراني هو الذي جعل من "رئيس الجمهورية" الذي ينتخبه الشعب مباشرة، مجرّد واجهة سياسيّة شكلية لسلطة "الولي الفقيه"، والذي يتولّى منصب "مرشد الثورة" ويمتلك سلطات الحكم المطلق.
والمادة الثالثة عشر بعد المئة من دستور "الجمهورية الإسلامية"، وإن نصّت على أن رئيس الجمهوريّة "أعلى سلطة رسميّة في الدولة ويرأس السلطة التنفيذية"، إلا أنّها تقرّر أيضاً أنّ كل سلطة تأتي بعد "القائد الولي الفقيه"، وأنّ رئيس الجمهورية ليس رئيساً في المجالات المرتبطة بالقيادة، بمعنى أنه يعمل ضمن صلاحيات يفوّضه إياها القائد، أي المرشد علي خامنئي.
وصلاحيات "القائد" وسلطاته ذكرتها المادة العاشرة بعد المئة من الدستور: إنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعيّن الفقهاء المسؤولين عن صيانة الدستور ومراقبة القوانين التي يسنّها مجلس الشعب، وهو من يقوم بتعيين رأس السلطة القضائية في البلاد، وينصّب ويعزل رئيس أركان الحرب وقائد الحرس الثوري، ويعيّن قادة القوات المسلحة (البرّية، الجوّية، البحرية).
وله إعلان الحرب والصلح، وتنفيذ مهام رئاسة الجمهورية بنفسه مباشرة، وحتى عزل رئيس الجمهورية (المنتخب من الشعب)، إذا اقتضت ذلك "مصالح الأمة" التي يقدّرها هو طبعاً، إضافة إلى صلاحية العفو عن المحكومين "في حدود قوانين الإسلام" وباقتراح من المحكمة العليا.
وعلى هذا الأساس جاز القول: ما دام كلّ شيء في يد "القائد المرشد" وفقاً للدستور، فلا قيمة فعلية للانتخابات الرئاسية الإيرانية ونتائجها، ومن ثمّ للإرادة الشعبية في اختيار هذا المرشح أو ذاك، حتى ولو سارت العملية الانتخابية بأقصى درجات النزاهة والأمانة، وأوصلت مرشحاً "إصلاحياً" إلى منصب رئيس الجمهورية.
في هذا الإطار، يمكن ملاحظة أنّ سياسة إيران في سوريا وتدخّلها المباشر بشتى الوسائل لدعم نظام الأسد، لم تختلف في عهد الرئيس "المعتدل" حسن روحاني عما كانت عليه في عهد سلفه "المتشدّد" محمود أحمدي نجاد، بل إنها فاقتها عدوانية.
فالسياسات العدوانية التوسّعية والطائفية التي ينتهجها حكّام طهران لا تتغيّر بتغيّر "رئيس الجمهورية"، ليس لأنّه منصب بلا سلطات حقيقية فقط، بل لأنّ هذه السياسات تعبّر عن حقيقة النظام وجوهره، بما هو مزيج من الاستبدادين السياسي، والديني/الطائفي.
ويبدو من المؤكّد أنّ هذا النهج سيستمرّ وبصورة أشدّ ربّما، مع الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، لأنّ هذا الرجل يملك سجلّاً حافلاً في مجال انتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات خدمته الطويلة في سلك القضاء، لا سيما إعدام معارضي النظام السياسيين.
شاهد أيضاً: من تلميذ عند الخامنئي إلى عضو في "لجنة الموت".. ماذا تعرف عن الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي!