ينبش القمامة للبقاء قيد الحياة.. مأساة يعيشها طفل نازح في الرقة
خاص - عين الفرات
يقف الطفل عمار، صاحب الـ 9 أعوام، أمام حاوية القمامة المركونة في إحدى أزقة الرقة المدمرة، متأملاً إياها، علّه يجد بعض كسرات الخبز الموضوعة فيها، أو علباً فارغة مصنوعة من المعادن ليبيعها، ويشتري بثمنها أربعة أرغفة من الخبز الطازج، يُطعم بها أمه المقعدة وأخته التي تصغره بعامين.
ولا يختلف حال عمار عن حال الآلاف من الأطفال السوريين، الذين قضت الحرب التي شنها النظام ضد الشعب السوري على طفولتهم، ودمرت أحلامهم، وبات تفكيرهم مقتصراً على كيفية البحث في حاويات القمامة.
ويعد الأطفال الفئة الأكثر تضرراً من جراء الحرب على السوريين منذ أكثر من عقد من الزمن، فبحسب تقديرات دولية يفتقد قرابة 5 مليون طفل في الداخل السوري لأدنى متطلبات الحياة مثل التعليم والرعاية الصحية وغيرها.
اقرأ أيضاً: انتشار ظاهرة "عمالة الأطفال" في مناطق سيطرة "قسد" بديرالزور
وعمار الذي نزح مع أمه وأخته منذ العام 2017 من بلدة التبني الخاضعة لسيطرة الميلشيات الإيرانية والنظام السوري غربي دير الزور، شهد مقتل والده على طريق النزوح إثر انفجار لغم زرعه عناصر تنظيم الدولة "داعش" على الطريق الذي يستخدمه المدنيين للفرار في ذلك الوقت.
واستقر الحال به وهو في الخامسة من عمره في مدينة عين عيسى شمالي الرقة، حيث مكث مع عائلته في مخيم للنازحين أنشأته قوات سوريا الديموقراطية "قسد" لمدة عامان ونصف، لقي خلالها بعض الرعاية من المنظمات التي كانت تشرف على المخيم، وعلى الرغم من قلتها إلا أنها كانت تقيه عناء البحث في حاويات القمامة.
وازدادت أحوال عمار سوءاً بعد توجهه نحو الرقة، فالفساد المستشري يجعل أمر الحصول على سلّة غذائية أشبه بالمستحيل، باعتبار أنَّ الحصص توزع على من يملك وثائق تثبت هويته، في حين أنًّ عمار يفتقد لكل تلك الوثائق، التي دفنت تحت ركام منزله المدمر.
ولم يجد الطفل الذي لا يجيد كتابة اسمه وسيلة للبقاء على قيد الحياة سوى اللجوء للحاويات، آملاً الحصول على فتات الطعام لأخته وأمه المريضة.
والتقينا بعمار، بالقرب من إحدى الحاويات، كان السواد يغطي وجهه، ورائحة ثيابه المتسخة تفوح في المكان، لم يترك للخجل مجالاً للسيطرة عليه، كان يمسك بيده اليمنى علبة فارغة من مشروب البيبسي، وفي يده اليسرى كيسٌ يحمل فيه بقايا الطعام.
اقرأ أيضاً: لا دعم ولا علاج.. ذوي الاحتياجات الخاصة في الرقة والمعاناة المستمرة
وبمجرد سؤالنا له "ماذا تفعل؟" بكى عمار وانهالت دموعه على خديه، وقال: "أبحث عن حياتي، أمي مريضة وتحتاج طعاماً نظيفاً، وبقايا الطعام من الحاويات تزيد من مرضها أكثر، وأختي طفلة صغيرة وتريد طعاماً هي الأخرى، ماذا أفعل في ظل هذا الغلاء الفاحش، وعجزي عن العمل لتأمين لقمة العيش، فأنا الوحيد القادر على العمل".
وتحتل مدينة الرقة المركز الرابع من بين المدن السورية الأكثر دماراً، بينما تحتل مدينة حلب المركز الأول، رغم أنها شهدت الكثير من المعارك إلا أنَّ المعركة الأخيرة لطرد تنظيم الدولة "داعش" كانت الأكثر تدميراً لأبنيتها وبنيتها التحتية.
حيث أنَّ الدمار الذي طالها وصل لأكثر من 80% منها، بحسب تقديرات مجلس الرقة المدني التابع لـ "قسد" والذي يدير المدينة منذ أكثر من 4 أعوام.
الجدير بالذكر أنَّ عدد كبير من الأطفال في مناطق شمال وشرق سوريا الخاضعة لسيطرة "قسد" لا يتلقون التعليم، ويضطرون للعمل في مهن صعبة من أجل تأمين مصدر دخل لعوائلهم، كما أنَّ معظم هؤلاء الأطفال من النازحين من مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية.