شبكة عين الفرات | إهانة بنكهة التكريم

عاجل

إهانة بنكهة التكريم

خاص - عين الفرات 

بأسلوب أشبه ما يكون "بالطشوش" أو "الشوباش" في حفلات الرقص والأعراس الهابط، يدخل وزير تربية النظام حاملاً ظروفا محشوة "بكم ليرة" ليسلمها "للشيخ" أمام عدسات التصوير ثم يوزعها على المعلمين والمعلمات المنهمكين بتصحيح أوراق الامتحانات في مشهد تعجز الكلمات عن وصف حجم الألم والمهانة التي يعيشها المعلمون في ظل حكم هذا النظام الفاسد وحاشيته من وزراء ومسؤولين.

من خلال عملي كمعلم لمدة زادت عن خمسة عشر عاماً أعرف جيداً حال هؤلاء المعلمين إن كان في عملية مراقبة الامتحانات أو تصحيح الأوراق، فبدون مبالغة هناك 90% من المعلمين والمعلمات لا يرغبون بالعمل فيها وأعرف الكثير من الزملاء ممن كانوا يختلقون الأعذار للتهرب من هذه المهمة لا لشيء وإنما بسبب المجهود والتعب الذي يبذله المعلم مقابل أجور لا تكفي ثمن المواصلات أو كؤوس الشاي وفناجين القهوة التي يضطر لشربها أثناء تأديته لهذه المهمة، وكل هذا قبل الثورة أي عندما كان تتوفر الكهرباء والماء البارد والإنارة والمواصلات فما بالك اليوم وماهي الظروف التي يعمل بها هؤلاء المعلمين؟؟؟

أما عن تكريم المعلمين فمن لا يشجع ويدعم بقوة هذه الفكرة في كل وقت وبالأخص في هذه الأيام التي يعيش فيها المعلم والمعلمة في سوريا أسوء حالاته على مدار خمسين سنة مضت، ولكن ليس بهذه الطريقة ولا بهذا الأسلوب الذي استخدمه الوزير لتكريم "شيخه" لا لتكريم المعلمين ثم باستخدامه عبارات تشبيحية عسكرية "لا حدى يتحرك من مكانه" ما زاد المشهد قساوة وقهراً لهؤلاء المعلمين.

ومن المؤسف أن مثل هذه المواقف صارت تتكرر في كل عام، ولعل الفيديو الذي انتشر العام الماضي لمجموعة من المعلمين يقومون بتصحيح الأوراق على أضواء هواتفهم المحمولة بعد انقطاع التيار الكهربائي لساعات وقد أحدث هذا المشهد ضجة و "شوشرة" على وسائل التواصل حتى تساءل السوريون وقتها أيهما أهم مراكز التصحيح أم مراكز الجيش والمخابرات ؟؟؟

كان ولايزال المعلم السوري هو الحلقة الأضعف في المجتمع منذ استلام الأسد الأب للسلطة وحتى يومنا هذا، بعد أن جعل المعلم خصمه الأول.

فمنذ سبعينيات القرن الماضي وبعد سيطرة الأسد الأب على البلاد عمد على تهجير النخب من كبار المعلمين تحت مسمى (الإيفاد الخارجي ) حيث أجبر كثيرًا منهم على الخروج من سورية بالترهيب حيناً وبالتضييق أحياناً أخرى للعمل بدول الخليج أو ليبيا أو اليمن.

وقد شكل هؤلاء المعلمون نواة العملية التربوية في البلدان التي عملوا فيها ولاتزال آثارهم إلى اليوم في تلك البلدان ثم ليستبدلهم الأسد بمعلميه البعثيين الذين أفسدوا الأجيال وأفرغوا العملية التعليمية من كل قيمة تربوية أو أخلاقية حتى فقد المعلم مكانته في المجتمع بعد أن كان قدوة ومثالاً يحتذى.

أما إفقار المعلم واضطراره للعمل في مجالات بعيدة عن مجالاته التعليمية والتربوية فقد كانت الطامة الكبرى والمصيبة العظمى، وقد بدأها الأسد الأب ثم جاء ليكملها ابنه الوريث وقد تم كل ذلك بطريقة محكمة و مدروسة بدءاً من وزير التربية الى أصغر موظف في الوزارة، ولعل أكبر شاهد على ذلك هو وزير التربية الحالي الذي يحمل شهادة بيطرية تختص بتربية الحيوان لا بتربية الأجيال وتعليمهم.

كان بإمكان الوزير و"شيخه" تكريم هؤلاء المعلمين بتقديم بعض الخدمات لهذا المركز من كهرباء وتكييف ومياه باردة، خاصة وقد علمنا بأن أحد المراكز مؤلف من أربع طوابق لا تتوفر في حماماته صابونة واحدة ناهيك عن نقص المياه وانقطاع الكهرباء وما رافقها من ارتفاع درجات الحرارة.

كل هذه المشكلات داخل المراكز، أما خارجها فحدث ولا حرج ولعل المواصلات أهمها وأكبرها من حيث التكلفة والتعب ثم في الختام كل ما يحصل عليه هذا المعلم من أجور لا تتعدى ثمن فناجين القهوة التي يضطر لشربها ليبقى منتبهاً حتى لا يظلم طالباً في علامته.

عمر مرمر

 

أخبار متعلقة