رحلة الشتاء والصيف
لم ينتهِ أهالي دير الزور من طي سجادات الشتاء ومن ترتيب أغطيتهم السميكة التي لم تغادرهم ليلاً ولا نهاراً بسبب انقطاع الكهرباء ونقص مواد التدفئة وارتفاع أسعارها، ومن مسح أحذيتهم التي كان يغطيها الطين بسبب الوحول التي ملأت الطرق الخالية من الإنارة أساساً .
لم يكد أهالي المدينة أن ينسوا مأساة الشتاء وماعاشوه من آلام وأوجاع حتى داهمهم الصيف وما أدراك ما الصيف في مدينتي التي تصل فيها درجات الحرارة لـ 50 درجة مئوية ؟
كانت الكهرباء ولا تزال هي الهم الأكبر لأهالي دير الزور منذ عهد المقبور إلى عهد الوريث حيث لم تشهد المنطقة الشرقية عموما ودير الزور خصوصاً أي تحسن في وضع الكهرباء على مدار40 سنة مضت، بل على العكس كان الوضع في انحدار مستمرعاماً بعد عام وسنة تلوَ أخرى.
فالتقنين في مدينة دير الزور والرقة معروف منذ تسعينيات القرن الماضي صيفاً وشتاءً، ناهيك عن شبكات الكهرباء المتهالكة والضعيفة رغم كل ما تملكه المنطقة من إمكانات مادية ولوجستية بدءاً من سد الفرات مروراً بحقول الغاز والنفط القادرة على تشغيل أكبر محطات الطاقة في العالم،
هذا في المدن أما في الأرياف فحدث ولا حرج .
ففي الوقت الذي كانت بيروت والجنوب اللبناني تسهر على كهرباء سد الفرات كان السوريون في دير الزور والرقة والحسكة ينامون على أرصفة بيوتهم وفي البساتين وعلى الأسطح بحثاً عن نسمة هواء يتنفسونها هم وأولادهم بسبب انقطاع الكهرباء المتواصل لساعات، كل هذا في أيام "الأمن والأمان" ثم ليكتشف السوريون مؤخراً أن لبنان كان يدفع (لجيب) حافظ الأسد وابنه من بعده ثمن هذه الكهرباء في بنوك خارج سورية .
أما اليوم فصارت المصيبة أكبر والطامة أعظم ليس لاهالي دير الزور فقط بل لجميع سكان المنطقة رغم وقوعها تحت سيطرتين وإدارتين مختلفتين. ففي دير الزور صار التقنين 5 ساعات انقطاع مقابل 20 دقيقة تشغيل يعني ما معدله ساعة واحدة تشغيل في الأربع والعشرين ساعة . أما المضحك المبكي فحين اتصلت بأحد أقربائي في الحسكة وسألته عن وضع الكهرباء عندهم قال "ياريتنا مثل أهل الدير هذول عايشين بنعيم " لأنهم في الحسكة لم يروا كهرباء " الدولة " منذ سنين.
فإذا كان النظام يعتذر بنقص الوقود في مناطق نفوذه بعد سيطرة قسد على حقول النفط والغاز فماهي حجة قسد وهي تسيطر على سد الفرات وحقل كونوكو إضافة لحقول النفط الأخرى؟
أين تذهب كل هذه الكهرباء ولمصلحة من يستمر تعطيل هذه الخدمات خاصة وأن الكهرباء يترتب عليها كثير من المصالح الأخرى مثل محطات المياه وشبكات الهاتف الأرضي والمحمول ؟
وبالمقارنة بين مناطق النظام ومناطق قسد نجد أن قسد سمحت بتجارة الكهرباء عن طريق المولدات الخاصة " الأمبيرات" لكن بدون أي ضوابط أو قوانين بحيث أصبح المواطن تحت رحمة صاحب المولدة متى شاء شغل ومتى شاء توقف بلا حسيب ولا رقيب وبمجرد أن يشتكي المواطن يُسحب منه كبل الاشتراك ويحرم من الكهرباء التي يشتريها بأمواله .
أما النظام لم يسمح " بخصخصة " الكهرباء وأبقاها بيد مؤسساته الوطنية التي حرمت الشعب من الكهرباء وأبقت فقط الخط العسكري شغال 24/24 ساعة ليستفيد منها الضباط والمسؤولون حتى أصبحوا يتاجرون بها عن طريق مد خطوط فرعية مقابل مبالغ مالية خيالية ومورد جديد يضاف إلى مواردهم الغير شرعية وكل ذلك تحت نظر وسمع النظام وعلى حساب هذا الشعب المقهور.
ومابين برد الشتا ومابين حر الصيف
قضينا إحنا العمر بألف حسرة وياحيف
كتبه: عمر مرمر