المحاكم العشائرية.. قولٌ فصل وحكمٌ عادل
تكررت في الأيام الأخيرة كثير من الأخبار عن حالات لصلح عشائري، خاصة في مناطق شمال شرق سورية.
ومن المعروف أن الصلح العشائري تقليد قديم قدم التاريخ، وهو موجود في سوريا قبل نشوء الدولة الحديثة، أي قبل المحاكم والدساتير والقوانين والسجون وما إلى ذلك.
وقد استمر العمل بالأعراف العشائرية في سوريا حتى وقت قريب، ففي كل عشيرة كان هناك - إضافة إلى شيخ العشيرة - مشرّعون وقضاة يطلق عليهم اسم "العارفة"، يفصلون في صغير المشكلات وكبيرها داخل العشيرة الواحدة، أو مع العشائر الأخرى ضمن قوانين متعارف عليها ومقبولة من الجميع.
وتميزت المحاكم العشائرية بالبساطة والحزم والإنصاف، للضعيف قبل القوي وللفقير قبل الغني، لذا حافظت على السِلم الأهلي بين سكان المنطقة الواحدة على اختلاف عشائرهم وأصولهم. وبسببها أمن الناس على أنفسهم وتجارتهم وأعمالهم بعد أن عرف كل شخص ماهي حقوقه وواجباته، وفيها لا يحتاج المدعي لمحامي ينوب عنه بعرض مشكلته أو حتى الدفاع عنه، فيتقدم إلى العارفة ليطرح قضيته بنفسه وبكل بساطة.
وتنوعت الأحكام في المحاكم العشائرية حسب نوع القضايا، وقد تصل بعض الأحكام للإعدام أو النفي أو الدية، وقد تستمر بعض المحاكمات لأيام أو شهور أو ربما سنوات، وكثيرًا ما كانت تميل هذه المحاكم للصلح والمسامحة أكثر من العقوبة حفاظًا على صلات القرابة ونشر مفهوم التسامح بين أبناء المنطقة.
في هذه الأيام، وبسبب انتشار الفوضى والسلاح، اضطر الناس للعودة إلى هذا النظام للمحافظة على السلم والأمن الأهليين الأمر الذي أزعج السلطات إن كان في مناطق "قسد" التي تسعى إلى تفكيك التجمعات العربية وفصلها عن تاريخها وصولها، أو في مناطق النظام الذي حارب هذه العادات منذ استيلاء الأسد على السلطة داعيًا الناس إلى اللجوء إلى محاكمه العاملة بالرّشا والتزوير والظلم.
كتبه عمر مرمر
11 حزيران 2024