عام جديد على ثورتنا
قبل كتابة كلماتي وأنا أقلب أوراقي وأراجع ملفاتي لأكتب هذا المقال تاهت ذاكرتي وسط الأحداث وعجز قلمي عن الكتابة، إلى أن استوقفني مشهد من أولى المظاهرات ضد الأسد ونظامه في مدينتي ديرالزور، حين رأيت بعض الشباب وهم يهتفون مرددين "صب من دمك للحرية ".
رجعت إلى تاريخ المظاهرة وإذا بها بالأيام الأول للثورة، لكن ما لفت انتباهي هو استشراف هؤلاء الشباب لمستقبل هذا الحراك، وأنه من أجل الخلاص من هذا المجرم لا بدّ من التضحية بالدماء التي لا يكتفى بها أن تسيل على شكل قطرات، بل يجب أن تصب صبًّا مثل الشلال، وهو كناية عن الثمن الذي سوف يدفعونه مقدمًا للحصول على مطلبهم.
هذا الهتاف وغيره من الهتافات كان بمثابة التسلية للنفس والاستعداد لكل ما هو قادم في هذا الطريق الذي لا رجعة فيه. "صب من دمك للحرية " بين ثنايا الهتاف معرفة عميقة بقساوة الجلاد وتكبره وجبروته وتعطشه للدماء كل الدماء بلا استثناء في سبيل المنصب والسلطة، وهذا ما حدث فعلاً.
لكن في الهتاف نفسه الكثير من الأمل بالخلاص من الظلم والسعي نحو الحرية، والتي باتت قاب قوسين أو أدنى خاصة وقد دفع هذا الشعب الثمن ولم يتبق إلا القليل للوصول إلى الهدف بعد أن أحرق الأسد جميع أوراقه واحدة تلوى الأخرى، وعلى رأسهم حاضنته الشعبية التي استهلكها وأرهقها حتى آخر رمق ثم لتكتشف "هذه الحاضنة" متأخرة مدى سذاجتها وغبائها بعد أن تخلى عنها وتركها عرضة للجوع والمرض والفقر.
أما ثاني أوراقه فهم رجال الأعمال الذين سخّروا كل ما يملكون في سبيله ظانين أنه سيعوضهم ما خسروا بعد الحرب، لكن كما المتوقع وبأول فرصة سنحت للأسد قدمهم قرابين هم وما يملكون لضباطه من الجيش والمخابرات والأمن.
أما عن أكبر داعميه إيران فهي ليست الأسعد حظًّا من سابقتيها فها هي اليوم تصرح وبشكل علني عن خيانات الأسد لها عن طريق التبليغ عن ضباطها ومستشاريها، الذين صاروا أهدافًا سهلة للطائرات الإسرائيلية وهي تصطادهم في الحمامات وغرف النوم وحولتهم إلى أشلاء، ما جعل نظام الملالي في موقف لا يحسد عليه أمام شعبه ومليشياته بسبب الأسد ومخابراته.
بفضل التضحيات التي قدمها الشعب، على مدار سنوات الثورة، صار النصر قاب قوسين أو أدنى بعد أن عُزل الأسد ونظامه في منطقة ضيقة وصار الاقتراب منه أشبه ما يكون بالاقتراب من حيوان أجرب.
وهذا ما حدث بالفعل مع الأنظمة التي حاولت تعويمه وإعادته إلى سابق عهده، لكنه استغل هذا التقارب والتطبيع بنشر الأسلحة والمخدرات، مستغلًّا المعابر البرية والبحرية وحتى الحدود وهذا ما يجعل الجميع يفكر جديًّا بإزالته وكفّ شروره ليس السوريين فقط بل حتى العرب والأوروبيين الذين طالما راهنوا عليه ودعموه.
لذلك وفي العيد ١٣ للثورة السورية لابد لنا كثوار، جميع الثوار مدنين عسكريين رؤساء ومرؤوسين نساءً ورجالًا كباراً وصغاراً، أن نعد العدة ونوحد كلمتنا لنعيدها سيرتها الأولى لأن الآتي أقل بكثير من الماضي، فلا بد إذًا لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر، وإنا نراه قريبًا وحتميًّا بإذن الله.
كتبه عمر مرمر
الأربعاء 6/2/2024