شبكة عين الفرات | الرفيق أبو غالية في الصين

عاجل

الرفيق أبو غالية في الصين

خاص - عين الفرات 

كلما قرأت أو سمعت عن الصين أجد الرفيق أبو غالية هو أول من يقفز الى مخيلتي ولا أعرف السبب، هل لأنه أول شخص أقابله في حياتي زار الصين فعلاً؟ أم لأن قصته في الصين بمواقفه الطريفة والغريبة هي ما جعلها تحفر وتستقر في أعماق ذاكرتي؟

ولعل زيارة بشار الأسد في اليومين الماضيين هي ما دعتني لأتذكر بل وأوثق قصة الرفيق أبو غالية التي حكاها لي وجها لوجه وبأدق التفاصيل بحيث تظهر الواقع الحقيقي للمسؤولين السوريين الذين(مع الأسف) يمثلون شعبًا بأكمله بتاريخه وعراقته وعن طريقة تعامل الدول مع مثل هؤلاء.

التقيت بالرفيق أبو غالية في منزله وعلى مدى أسبوع كامل حين كنت أعمل مع أخي في الديكور المنزلي بعد أن أنهيت دراستي بانتظار التعيين والوظيفة.

هذه المهنة التي عرفتني عن قرب على كثير من الشخصيات المهمة في البلد وطريقة تفكيرها وتعاملها بعيداً عن المكاتب والبروتوكولات فقد كنا نجلس مع الرفيق أبو غالية على طاولة واحدة يصب لنا الشاي ويقدم لنا الطعام بكل بساطة وأريحية.

ولكونه كان متقاعدّا قبل سنة واحدة من لقائنا به فقد وجد فينا فرصة جيدة لاستحضار ذكرياته واستعراض بطولاته أثناء خدمته في قيادة الحزب كنائب عن المحافظة ثم مديراً للتربية في آخر ثلاث سنوات من عمله قبل التقاعد، ولعل القصة التي سأذكرها واحدة من أهم القصص.

يقول الرفيق أبو غالية بينما كنت في المكتب مع الرفاق في شعبة الحزب جاءنا اتصال من القيادة في دمشق بأن وفداً من حزب البعث سيزور الصين بمناسبة تأسيس الحزب الشيوعي، وأن الوفد سيكون من بعض المحافظات وبينها محافظتنا.

وعلى الفور بدأت التواصل مع القيادة للتوسط ووضع اسمي في قائمة المسافرين قبل أن يسبقني الرفاق، ففي الرحلة إلى الصين مكاسب مادية كبيرة متمثلة بمهمة السفر الخارجي.

بالإضافة لما يصرف لنا من مبالغ كمصاريف طعام ومبيت وغيرها، ناهيك عما ندخله من بضائع بعيداً عن أعين الجمارك هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن السفر الى الصين سيرفع من مقام الرفيق أمام القيادة لاختياره في مواقع قيادية أفضل بالمستقبل.

 وبعد حصوله على الموافقة استعد أبو غالية مادياً ونفسياً وودع عائلته وانطلق مع الرفاق من مطار دمشق حتى وصل الصين.

وفي المطار استقبلهم أحد الموظفين الذي كان يتكلم العربية قليلا، ثم طلب منهم ملء بعض الأوراق كفعل روتيني لكن ما حير الرفاق هو سؤال يستفسر عن مقدار ما يحمله الشخص من أموال.

يقول الرفيق هنا نظر كل شخص إلى الآخر مستفسرًا عن مغزى هذا السؤال ولماذا يُسأل، ولأن الجميع يسافرون للمرة الأولى خارج البلد فلا أحد منهم كان يعرف مغزى السؤال، لذلك اتفق الجميع على الكذب وكتابة أرقام أقل بكثير مما يحملونه خوفاً من مصادرتها أو أخذ ضريبة عليها، وهكذا اتفق الرفاق.

يقول أبو غالية مدة الزيارة كانت خمسة أيام وموعد لقائنا مع الرئيس الصيني كانت في اليوم الرابع لكن بدأنا باستكشاف الصين منذ اليوم الثاني بعد أن استرحنا في أحد الفنادق، ثم في الصباح كان هناك شخص يأخذنا بسيارة إلى المعامل والمشاريع.

وصار الرفيق أبو غالية يصف النظافة والترتيب والالتزام بالقوانين والمواعيد وأن لا أحد فوق القانون والناس جميعهم متساوون، حتى أنك لا تستطيع التمييز بين العامل العادي أو المسؤول فالكل يلبس نفس اللباس ويأكل من نفس الطعام بلا تمييز ولا تفريق.

وفي المساء يذهب الرفاق إلى الأسواق والحدائق العامة والمتاجر المشهورة ليشتروا بضاعتهم التي سيتاجرون بها وبعض الهدايا للعائلة والأصدقاء.

ثم في موعد المقابلة انتظرنا مع كثير من الوفود حتى نادى علينا أحد الموظفين ودخلنا لمقابلة الرئيس الصيني برفقة السفير السوري في بكين وكان أول سؤال سأله الرئيس من أي بلد أنتم فقلنا له من سورية التي لا يعرف أين تقع على الخريطة فأخذ يسأل عن موقعها وعدد سكانها وعلى ماذا تعتمد ونحن نجيب.

ثم تفاجأنا بسؤاله لماذا اعتمدتم الاشتراكية كمنهج لدولتكم؟ فأنتم بلد زراعي عدد السكان قليل كل شخص يستطيع التملك والعيش برفاهية، وأخذ يسرد ونحن لانعرف ماذا نجيب حتى تمنينا لو( تنشق الأرض وتبلعنا) وأن يعدي هذا الاجتماع على خير.

خرجنا من عند الرئيس وكل شخص يلتفت إلى الآخر مندهشين ومصدومين ثم عدنا إلى الفندق لنستعد للعودة إلى الوطن.

 في اليوم التالي جمعنا أنفسنا وبضاعتنا وركبنا في الباص متوجهين إلى المطار بعد أن انتهت المدة المحددة لنا، لكن المفاجأة حين وصلنا المطار وعلمنا أنه وبسبب عطل في الطائرة سنضطر لتأجيل السفر يوماً آخر.

فبدأنا بحزم بضاعتنا لنعود إلى الفندق وإذا بالموظف يعتذر منا ويقول لا يمكنكم العودة إلى الفندق وأن مهمته معنا انتهت هنا.

يقول الرفيق أبو غالية هنا أخذتنا الحمية الوطنية والقومية وقلنا له نحن نمثل البلد ونحن ضيوف وقابلنا الرئيس (بدك يانا ننام بالمطار) فرد علينا الموظف بأننا أناس كاذبون وغير جديرين بالاحترام والدليل أن قيمة الأغراض التي اشتريناها تساوي أضعاف المبالغ التي سجلناها في أوراقنا أثناء الدخول ولهذا السبب عاملناكم هكذا.

يقول الرفيق أبو غالية نظرنا إلى بعضنا مهانين بلا حول ولا قوة، ثم قمنا بالاتصال بالسفير للملمة الوضع وتدبير أمور الرفاق، واضطررنا للمبيت في بيت السفير بانتظار نهاية ساعات التي مرت علينا كأنها أيام .

عمر مرمر

أخبار متعلقة