شبكة عين الفرات | البطل وليس البصل

عاجل

البطل وليس البصل

خاص - عين الفرات 

في مسلسل المعاناة السوري كل يوم هناك جديد فبعد الزلزال وما خلفه من مصائب ونكبات لا يزال السوريون يستقبلون صباحاتهم بمصائب جديدة،

حتى صار كثير من الناس يتندرون ويختلقون النكات كطريقة للتأقلم مع هذا الحال وخاصة في مناطق سيطرة النظام الذي بات يهدد ويتوعد كل من يشتكي أو يصور أو حتى يتكلم ولو مع جاره، لذا لجأ كثير من الكتاب هناك إلى الرمزية في تصوير أحوالهم وما آلت إليه أوضاعهم والاستهزاء بجلاديهم متبعين أساليب من سبقهم من الكتاب في عصور الخوف والرعب. ومن يتابع صفحات بعض المثقفين القاطنين في مناطق النظام يجد هذا الأسلوب واضحاً في كتاباتهم على بساطتها في سرد الأحداث ووصف حالة الناس. ولعلي أذكر مثالاً على هذا الحال ما قرأته في صفحة أحد الأصدقاء المتقاعدين من سلك التعليم وهو يشتكي من الارتفاع الجنوني في سعر البصل الذي فاق أسعار الفواكه المستوردة والنادرة في حالة لم يشهدها السوريون ولا غيرهم منذ مئات السنين حتى وصل الحال بـ حكومة النظام إلى بيع البصل على البطاقة الذكية.

أما عن صديقي المتقاعد فيقول (بتصرف):

"مساءً وبعد معاناة صرت في دمشق تعذبت وتكلفت كثيراً حتى وصلت شقتي فتحت الباب وعلى ضوء هاتفي رتبت أغراضي توضأت صليت ثم أخرجت من إحدى الحقائب بعض العلب البلاستيكية المليئة بالطعام الذي أعدته زوجتي لي، تقصدت أن أصل يوم الخميس كي أمضي يوم الجمعة في الشام القديمة أستعيد بعض ذكرياتي خاصة وقد أمضيت أربع سنوات في كلية الآداب، ولي كثير من الذكريات هناك، أعلم جيداً أن الشام اليوم تختلف كثيراً عن شام الأمس ولكن لابد وخاصة بعد أن دفعت كل هذه التكاليف وبذلت كل هذا المجهود لا بد أن أروّح بعض الشيء عن نفسي وأن أستعيد ولو بعض ذكرياتي، وبالفعل منذ الصباح الباكر قصدت ذلك المطعم القريب من الجامعة حيث كنت أتناول الفطور مع أصدقائي، لا يوفر النظام أي وسيلة نقل عامة مثل السرافيس أو الباصات لكن رأيت بعض الشباب يركبون (السوزوكي) التي أصبحت وسيلة النقل العامة بعد ارتفاع أجرة التكسي إلى أرقام خيالية، (صفّرت) لإحدى السوزاكيات فتوقفت وبعد الاتفاق على أن يوصلني لأقرب نقطة من المطعم صعدت من الخلف وكان نصيبي أن أركب واقفاً بسبب العدد الكبير من الركاب، وعند المكان المحدد نزلت متابعاً طريقي مشياً على الأقدام باتجاه المطعم وفور وصولي للمكان تأملت المطعم جيداً استرجعت بعض ذكرياتي ورغم تغير كثير من الأشياء فيه إلا أنه لايزال يحتفظ ببعض الآثار القديمة وقبل ان أجلس على طاولتي طلبت من عامل الطاولة صحن فول دبل وفحلين بصل لأن الحكمة تقول "فول بلا بصل مثل بصل بلا فول" فاجأني العامل بردة فعله قائلاً: عمي كل شي إلا البصل ليش مانك عايش بهالبلد، فتذكرت أن البلد تعيش بأزمة وأن آخر ضحاياها هو البصل، تبسمت ثم طلبت من العامل الانتظار ريثما أدبرلي كم بصلة من هنا أو هناك، تمشيت في المنطقة أبحث عن بائع خضار إلى أن وجدت واحداً من الباعة الذين كنا نسميهم في دير الزور (الصيدلة المناوبة) وذلك لأنهم يفتحون محلاتهم على مدار الأربع وعشرين ساعة ثم إن أسعار الخضار عندهم تشبه أسعار الأدوية في الصيدليات ثالثاً وهو الأهم أن تجد فيها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء بالصيف، اقتربت من البسطة رأيت الموز والأناناس والكيوي وبعض الفاكهة التي لا أعرف اسمها نظرت إلى قسم الخضار رأيت الخيار والبندورة والفليفلة بألوانها ثم اقتربت من البائع وسألته إن كان عنده بصل نظر إلي نظرة لم أفهم مغزاها ثم نظر يميناً وشمالاً وقال لي نعم موجود فسألته: ماني شايفه عالبسطة !!! فقال : تعال وأدخلني إلى مكان المحاسب ثم فتح جرار النقود وأخرج صندوقاً صغيراً فيه تقريباً عشر بصلات كل واحدة بحجم بيضة الحمامة وسأل: شقد بدك؟ أخافني الموقف كثيراً وتذكرت مشاهد استلام وتسليم الممنوعات بين العصابات في الأفلام البوليسية ولا أعلم كيف اهتديت لسؤاله عن سعر الكيلو فأجاب على الفور: أخي الكيلو بسطعشر ألف ليرة بدك إلا مابدك ؟ فأجبته بالتأكيد أريد ثم اخترت ثلاثة بصلات وأعطيته إياها كي يزنها ففاجأني بأن أخرج ميزان صغير رقمي أشبه بميزان الذهب ووضع البصيلات عليه ثم قال: أخي حسابك ٢٦٠٠ ليرة، وافقت على مضض ووضعت البصلات بجيبي حاسبت الرجل ثم رجعت إلى المطعم لتناول صحن الفول الذي على أغلب ظني لن أنساه ماحييت." ثم كتب ملاحظة طلع البصل عيار ١٨ كما تشاهدون في الصورة …..

بهذه الكوميديا السوداء يتماشى كثير من المثقفين مع واقعهم المرير يعبرون عن آلامهم وأحزانهم بعد أن حرمهم النظام المستبد من أبسط حقوقهم في التعبير عن حقوقهم ومطالبهم بطريقة حرة وكريمة.

كتبه : عمر مرمر

أخبار متعلقة