بعد الكوكائين تجارة من نوع آخر
لعل انعدام الثقة بين السوريين ونظام الأسد هي حقيقة عاشها السوريون لعقود من الزمن ، كما أنها ليست وليدة اليوم بل متجذرة في المجتمع السوري منذ سيطرة الأسد الأب على سورية في سبعينيات القرن الماضي ، فبسيطرة الأسد على وسائل الإعلام ونشر الفساد والمحسوبية فيها إضافة لربطها بمكاتب أمنية تابعة لمخابراته (شأنها شأن القطاعات الأخرى) ، واستمرار هذا الوضع على مدى عشرات السنين فقد السوريون الثقة بكل وسيلة إعلامية تابعة للنظام إن كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية خاصة بعد أن تحولت هذه الوسائل لتمجيد الأسد وإبراز إنجازاته المكذوبة .
اليوم ومع التطور السريع في وسائل الاتصال ونشر المعلومات وانتشار ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي تعرى هذا النظام وانكشف ليس أمام السوريين فقط بل أمام العالم أجمع حتى أصبح هو واعلامه في كثير من الأوقات مثار سخرية وتندر لكثير من قنوات العالم.
ومع بداية الثورة السورية حيث كان الإعلام هو اللاعب الأهم فيها والذي غير كثير من مجرياتها حافظ النظام على أسلوبه القديم في التزوير والكذب مستخدماً إعلاميين لا يمتون للإعلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد حتى بدى النظام وآلته الإعلامية وكأنه منفصماً عن الواقع الذي يعيش فيه.
ومن المؤسف والمحزن للسوريين تكشف هذا النظام واعلامه الفاسد أكثر في الأحداث الكبيرة والمهمة والمتاجرة بدمائهم ومآسيهم لتحقيق مصالح سياسية ومادية يستفيد منها ليس فقط ضباطه ومن هم في رأس السلطة بل حتى داعميه من الإيرانيين والروس وغيرهم.
أما في ما يخص الإعلام الأسدي والزلزال الذي حصل باليومين الأخيرين وبمقارنة بسيطة ما بين أحداث الأسبوع الماضي بعد سقوط أحد الأبنية المكون من ٨ طبقات فوق رؤوس ساكنيه في مدينة حلب والذي راح ضحيته قرابة 16 عشر شخصاً ماتوا تحت الأنقاض في منظر لا يقل رعباً عن مشاهد الرعب التي عاشها السوريون في زلزال اليوم وكيفية تعامل إعلام النظام مع الحادثتين حيث تم تجاهل الحادث الأول كلياً من قبل النظام بل حاول التعتيم عليه لإقراره ضمنياً أنه المسؤول الأول عنه بسبب استخدامه البراميل المتفجرة والسماح لحلفائه الروس والإيرانيين بتجربة كل أنواع الصواريخ المحرمة دولياً على الأراضي السورية وضد شعبه الأعزل ما جعل كثير من الأبنية مهددة بالسقوط في أغلب المناطق منها حلب وحمص وريف دمشق ودير الزور، هذا التعتيم تم بإرسال الأسد وفد مكون من رئيس الحكومة وبعض الوزراء ليس إلى حلب حيث وقع الحادث بل إلى دير الزور وتصوير هذا الوفد وهو يجول في المدينة ويلتقط الصور هنا وهناك ليكتشف أهالي دير الزور أن رئيس الحكومة قادم لتقديم الخدمات للزوار الإيرانيين القادمين من معبر القائم الحدودي مع العراق ثم يأمر بتعبيد طريق بور سعيد هذا الطريق الخارجي الواصل بين المطار ومدخل المدينة الجنوبي الذي لا يخدم أهالي المدينة أصلاً كون المنطقة مدمرة بنسبة 90 % متناسياً أهم طرقات المدينة والتي تعتبر عصب الحياة ضارباً عرض الحائط بمطالبهم .
اليوم مع وقوع الزلزال في سوريا يتباكى النظام على السوريين في مشهد أشبه بمسرحية من الكوميديا السوداء فمشاهد الدمار التي خلفها الزلزال في سوريا والآلام التي تركها في قلوب أصحابها هي نفسها الآثار التي خلفتها آلة الهدم العسكرية الأسدية على مدار أكثر من عشر سنوات، لابل مشاهد الدمار الذي خلفه الزلزال أقل بكثير من مشاهد الدمار الذي خلفها الأسد وحلفائه. لكن هذا التباكي من قبل النظام وشبيحته وآلته الإعلامية ربما يدر عليه بعض المكاسب المادية والسياسية، فالمبالغ التي قُرر إرسالها من الأمم المتحدة وبعض الدول الغربية والعربية فتحت شهية النظام المتعطش لهذه الدولارات ولو كانت على حساب مصائب هذا الشعب ومآسيه كما سمحت لداعميه الإيرانيين تمرير بعض الشحنات باسم المساعدات الإنسانية إلى عناصرها في سورية خاصة بعد اكتشاف أن معظم هذه الشحنات هي عبارة عن أسلحة ومعدات عسكرية لقتل السوريين كما حدث في الأسبوع الماضي عند تدمير رتل من الشاحنات القادمة من العراق والتي ادعى الإيرانيون أنها مساعدات طبية وإنسانية.
نعم زلزال اليوم في سوريا يشبه كثيراً زلزال الأمس في صور الهدم والدمار في صور الألم والمعاناة في صور الضحايا وأشلاء الموتى في دموع التماسيح وتجار الدم الذين لم تكفهم تجارة الكوكائين والمخدرات حتى صاروا يتجاروا بمصائب ومآسي هذا الشعب المكلوم.
كتبه: عمر مرمر